أرشيفات الوسوم: بالعربي

الذاكرة والتاريخ

هل حاولت يوما تذكر موقف معين أو معلومة معينة وتعذر عليك ذلك؟ هذا شيء طبيعي ويحدث مع معظم البشر، فالذاكرة قد لا تحفظ كل تفاصيل حدث ما، وبالتالي عدم إسترجاع الذكرى هو شيء إعتيادي.

السؤال الأهم، هل حاولت يوما أن تنسى ذكرى معينة ونجحت؟ قد تقول بأن شيء مستحيل، خاصة بأن الذاكريات التي نريد فعلا نسيانها لا ننجح بذلك لأن لها تأثير قوي فينا، وهي بالتالي تحتل مكان واضحا في الذاكرة. هذا الكلام غير صحيح، علميا الإنسان لديه القدرة على إزاحة أحداث معينة من الذاكرة الدائمة إلى القصيرة ثم إلى النسيان، وإصرار العقل على فعل ذلك يؤدي إلى نسيان ليس فقط الحدث لكن أيضا المرحلة التي حدث خلالها! وبالتالي أنت تتذكر خيالات من تلك الفترة لكن لن تكون ذكرى دقيقة. وإن أراد الإنسان استرجاع تلك الذكريات لن يكن بالأمر السهل، وستعود ناقصة وتحمل الكثير من الفراغات التي يمكن ملئها من شخص آخر مثلا يتذكر الحدث. وبالتالي تتكون لديك ذكرى جديدة تحمل بقايا ذكريات مشوهة مع ذكريات أحد آخر لتخترع ذاكرة جديدة.

الذاكرة كما نعلم هي القدرة على حفظ واسترجاع المعلومات والأحداث التي مرت علينا خلال فترة من الزمن. هناك أنواع للذاكرة، الذاكرة القصيرة والذاكرة العملية، والذاكرة الطويلة. وبالطبع الوظائف الأساسية للذاكرة هي الحفظ والتذكر واسترجاع المعلومات والنسيان!

وجود كلمة “النسيان” ضمن العمليات الأساسية للذاكرة يعطي إحساس بالتناقض، حتى بالمعنى، فالنسيان هو عكس التذكر. لكن، النسيان هو من الوظائف التي تقوم بها الذاكرة وهو قد يكون عفوي، حيث أن الذاكرة قد لا تحتفظ بمعلومات معينة لوقت طويل لمجرد أنها غير مهمة أو لا تعني الكثير لنا في أي حال كان. أو أن الذاكرة تقوم بنسيان هذه المعلومات أو الأحداث بحركة إرادية نتيجة قرار من الشخص الذي أراد أن ينسى أحداث ومعلومات معينة.

تحاول المجتمعات الحفاظ على تاريخها وتراثها من خلال تناقل الأحداث والحقائق وتدوينها. في بعض الأحيان، يتم إسقاط معلومة معينة، أو كتابة أحداث معينة بطريقة تخلو من المصداقية، وبالتالي يأتي الجيل الجديد ليجد نفسه أمام لوحة تحمل التدوين حسب ما كتبه المدونون، وما تناقله شهود العيان. قد يكون هذا الدمج لوحة جديدة تماما، تحمل بعضا من الحقيقة وبعض من الخيال. أو قد تكون لوحة مشوهة تماما بلا معنى!

الشيء الذي سيحمي أي ذكرى من الإندثار، هو إعادة تذكرها والتحدث عنها كثيرا، وبالتالي تناقلها عبر الأجيال. لهذا يعتمد تاريخ وثقافة المجتمعات على تناقله والتحدث به حتى لا يندثر أو يتحول إلى ثقافة جديدة- بمزج جديد جميل أو مشوّه!

اليوم تقوم الكثير من الشعوب بطمس حضارات وإدخال تعديلات عليها، لكن الأغلبية تعيد رسم التاريخ والتراث من خلال فعاليات ثقافية وفنية مختلفة حتى يبقى هذا الموروث الحضاري.

حداد الكساسبة

IMG_9570

أصبحنا يوميا نسمع بقذارة الأعمال التي يقوم بها أتباع داعش، ويبدوا أننا بدأنا نتعود على البشاعة في تلك الأخبار. منذ أسبوع عادت قصة الطيار الأردني معاذ الكساسبة تطفو على السطح في محاولة كاذبة لتبادل أسرى وبالأخص مع الإرهابية ساجدة الريشاوي.

اليوم، شاهدنا أبشع أعمال داعش، أفظع ما يمكن أن يتحمله العقل الإنساني. لن أذكر تفاصيل الإعدام الشنيعة، لكن العمل الذي لاقى ضجة كبيرة هو ردة فعل المتابعين في مواقع التواصل الإلكترونية. قام المعظم بنشر صور الطيار الشهيد وهو يواجه الموت بطريقة قبيحة، وانتشرت تلك الصور أسرع من النار التي واجهها معاذ!

أصبحنا نرى طرق متطورة جدا بأخذ الصور والفيديو من قبل أتباع داعش، وقد وصلوا إلى مستويات متطورة من التصوير والإخراج لأعمالهم الشنيعة.

التساؤل الذي طرحه أغلب الذين لم يشاركوا بجريمة نشر الصور البشعة هو، هل أصبحنا بغبائنا وساذجيتنا أدواة لنشر الإرهاب أيضا؟ هل أصبحت مصداقية وإنسانية الإعلام على المحك، أم أن سرعة نقل الخبر، ومن ينشره أولا هي أهم بكثير من الإنسانية!

اليوم هو يوم حداد للكساسبة، واليوم يرفع الكثير راية “كلنا معاذ” و “كلنا من الكساسبة”. اليوم يقف أهل معاذ بقلب محطم، ورأس مرفوع ليأخذوا واجب العزاء بإبنهم. لكن، اليومأيضا نسدل ستارًا جديدًا على الإنسانية، فقد تحولت هذه الأرض إلى مقبرة لأرواحنا، ونحن سنشارك بنشر تلك الصورة القبيحة أيضًا.

فوضى منظّمة


المشهد الحالي…

في ملعب كرة القدم ويبدو أنها مباراة مهمة جدًا بين فريقين مشهورين. تمتلئ المدرجات بالجماهير المشجعة، وبالطبع يجلس كل مشجع في القسم الخاص بالفريق الذي جاء من أجله. تعلوا الأصوات والأغاني، يستعمل البعض الزمار لخلق ضجة بنغمة مميزة، والبعض الآخر يستخدم مكبرات الصوت ليقود مجموعة من المشجعين لترديد أغانٍ تراثية أو حماسية وهكذا.

لكن هناك شيء يقوم به جمهور المشجعين الغفير، دون اتفاق مسبق ودون تنظيم أوتدريب، وهو حركة الموجة.

هناك دائمًا مجموعة تبدأ بهذه الموجة البشرية، تقف المجموعة الأولى بينما تعلوا أصواتهم مع علوِّ أياديهم. وبينما هم في خضم هذه الحركة التي تقلب كيان المدرج في منطقتهم، يراقب الأشخاص الذين يجلسون بجانب مربعهم تلك الموجة البشرية. تدق قلوبهم بحماس، فهم لا يعلمون ما هو الشعور بأن تكون جزءً من الموجة، أو كم ستبقى أو كيف ستبدأ. لكنهم يراقبون ويتعلمون من ما يشاهدون ويسمعون.

وبينما تنخفض أيادي المشجعين المشتركين في الموجة الأولى، تنخفض معها أصواتهم، وحماسهم وتبدأ الأمور بالعودة إلى مجراها.

تنتقل الموجة إلى المربع التالي، ويراقبون بدورهم المشهد. بدأت الموجة البشرية تتشكل عند المجموعة الجديدة، هم يعلمون جيدًا مالذي يحصل مع تلك المجموعة، ومالذي يمر به المشاركون بتلك الموجة، وكم ستستغرق من الوقت. هم ببساطة عاشوا تلك التجربة!

تمر الموجة بسلاسة محبوكة دون تفكير، لذا فهي تعبر بأسرع وقت ممكن. لا تلبث أن تبدأ وتعلو، حتى تنخفض من جديد. تنطلق كالعدوى لكنها عدوى جميلة، يشترك بها الجميع.

يا ترى، لو كانت تلك الموجة متفق عليها مسبقًا، هل كان المشجعون سيبقونها وقتًا أطول، أم أن جمالها هو بعفويتها وسرعة وصولها للجميع!؟

تلك القشعريرة اللذيذة المرتبطة بوجودك ضمن مجموعة لا يجمعك بهم غير حماسك وعشقك لشيء يجمعكم في ذلك الوقت، وذلك المكان. موجة تغير كيان المدرج ولو لوقت قصير، لكنها تُسجَّلُ في أحداث ذلك اليوم، وأنت جزء منها.