بين فرنسا ونيجيريا

بينما يجتمع رؤساء من العالم لمسيرة سلام في فرنسا، ليعلنوا رفضهم للعنف والإرهاب، بعد حادثة مجلة “شارلي ايبدو” مع بداية هذا العام، اجتمعت جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا وقامت بقتل ألفي شخص. طبعًا تم التعامل مع هذا الخبر وكأنه لم يحدث أبدًا، وتابع العالم مسيرة السلام!

تم توزيع جوائز “الغولدن غلوب” للأفلام السينمائية والتلفزيونية الأمريكية، وهو حدث عالمي يتابعه الأغلبية، وقام بعض الرابحين بالتنديد بما حصل في باريس وشجع على الوقوف يدًا واحدة ضد الإرهاب، وصفق الجميع.

لم أتابع المسيرة الحاشدة، والتي ليس عندي أيُّ رأيٍ تجاهها، لكنني  تابعت خبرًا صغيرًا بسيط عن تلك المجزرة في نيجيريا. قامت هذه الجماعة المتشددة التي لا تنتمي للإنسانية، قامت بقتل ألفي شخص وتشريد ثلاثين في هجوم على شمالي شرق نيجيريا. وبالطبع لأن الموضوع لم يهز الرأي العام، ولأنه تزامن مع حادثة أهم سياسيًا، فلن يجتمع الرؤساء والسياسيين، ولن يتركوا أعمالهم المهمة جدًا، ولن يقفوا في يوم واحد ويمشوا في مسيرة واحدة للتنديد بالإجرام من أجل ألفي نيجيري!

بعد هذه الحادثة المهمّشة، قامت تلك الجماعة بقتل امرأة وهي تلد. لا يمكنني حتى أن أفكر بكمية الوحشية التي وصل إليها هذا الجنس الشيطاني، لكنه خبر يمضي كباقي الأحداث التي لن تخرج مسيرات  لأجلها وستبقى عابرة.

يبقى السؤال الذي يحيّر البعض منّا، والذين أصواتهم ليست مهمة تمامًا كالألفي قتيل في يوم واحد، يبقى السؤال: ماهو الخبر الذي يهمّ الصحافة والإعلام؟ هل تبقى المصداقية فوق كل إعتبار؟ ماهي الأخبار التي تنتشر بسرعة البرق، والتي يتدافع الصحفيون لنقلها؟

لن يذكر التاريخ من لا يتم تدوين قصصهم، لكن لن يتوقف الإرهاب لطالما هناك ما نقول عنه في العامية “خيار وفقوس”!

فوضى منظّمة


المشهد الحالي…

في ملعب كرة القدم ويبدو أنها مباراة مهمة جدًا بين فريقين مشهورين. تمتلئ المدرجات بالجماهير المشجعة، وبالطبع يجلس كل مشجع في القسم الخاص بالفريق الذي جاء من أجله. تعلوا الأصوات والأغاني، يستعمل البعض الزمار لخلق ضجة بنغمة مميزة، والبعض الآخر يستخدم مكبرات الصوت ليقود مجموعة من المشجعين لترديد أغانٍ تراثية أو حماسية وهكذا.

لكن هناك شيء يقوم به جمهور المشجعين الغفير، دون اتفاق مسبق ودون تنظيم أوتدريب، وهو حركة الموجة.

هناك دائمًا مجموعة تبدأ بهذه الموجة البشرية، تقف المجموعة الأولى بينما تعلوا أصواتهم مع علوِّ أياديهم. وبينما هم في خضم هذه الحركة التي تقلب كيان المدرج في منطقتهم، يراقب الأشخاص الذين يجلسون بجانب مربعهم تلك الموجة البشرية. تدق قلوبهم بحماس، فهم لا يعلمون ما هو الشعور بأن تكون جزءً من الموجة، أو كم ستبقى أو كيف ستبدأ. لكنهم يراقبون ويتعلمون من ما يشاهدون ويسمعون.

وبينما تنخفض أيادي المشجعين المشتركين في الموجة الأولى، تنخفض معها أصواتهم، وحماسهم وتبدأ الأمور بالعودة إلى مجراها.

تنتقل الموجة إلى المربع التالي، ويراقبون بدورهم المشهد. بدأت الموجة البشرية تتشكل عند المجموعة الجديدة، هم يعلمون جيدًا مالذي يحصل مع تلك المجموعة، ومالذي يمر به المشاركون بتلك الموجة، وكم ستستغرق من الوقت. هم ببساطة عاشوا تلك التجربة!

تمر الموجة بسلاسة محبوكة دون تفكير، لذا فهي تعبر بأسرع وقت ممكن. لا تلبث أن تبدأ وتعلو، حتى تنخفض من جديد. تنطلق كالعدوى لكنها عدوى جميلة، يشترك بها الجميع.

يا ترى، لو كانت تلك الموجة متفق عليها مسبقًا، هل كان المشجعون سيبقونها وقتًا أطول، أم أن جمالها هو بعفويتها وسرعة وصولها للجميع!؟

تلك القشعريرة اللذيذة المرتبطة بوجودك ضمن مجموعة لا يجمعك بهم غير حماسك وعشقك لشيء يجمعكم في ذلك الوقت، وذلك المكان. موجة تغير كيان المدرج ولو لوقت قصير، لكنها تُسجَّلُ في أحداث ذلك اليوم، وأنت جزء منها.

إرادة

قصة من التراث السوري….

يحكى أنه كان هناك رجلًا  يلبس عباءة، وكان يمشي في الطريق متجهًا نحو الحقل.

قالت الريح للشمس: أتحداكِ بأنني سأجعله ينزع عباءته بحركة مني.

ردت الشمس: أتحداكِ بأنني سأربح الرهان.

وبما أنها كانت مبادرة الريح، فقد بدأت بالهبوب على الرجل. وكلما زادت من قوتها، كلما زاد تمسّكه بعباءته ومقاومته للريح. وهبت أقوى وأقوى، وزاد عناده وتصميمه وضمَّ العباءة أكثر إلى جسده محاولًا أن يتابع سيره. وبعد مرور وقت، استسلمت الريح!

جاء وقت الشمس التي أشرقت بإبتسامة، وعندها شعر الرجل بالدفئ، وخلع عباءته ووضعها على ذراعه وهو يكمل طريقه مبتسمًا.

قالت الشمس للريح: هل رأيتِ، لا يمكن تحقيق شيء بالعنف والتهديد. أعطِ للحياة الإرادة الكاملة في الإختيارات وستستمر بانسجام تام.