arablog.org

الذاكرة والتاريخ

هل حاولت يوما تذكر موقف معين أو معلومة معينة وتعذر عليك ذلك؟ هذا شيء طبيعي ويحدث مع معظم البشر، فالذاكرة قد لا تحفظ كل تفاصيل حدث ما، وبالتالي عدم إسترجاع الذكرى هو شيء إعتيادي.

السؤال الأهم، هل حاولت يوما أن تنسى ذكرى معينة ونجحت؟ قد تقول بأن شيء مستحيل، خاصة بأن الذاكريات التي نريد فعلا نسيانها لا ننجح بذلك لأن لها تأثير قوي فينا، وهي بالتالي تحتل مكان واضحا في الذاكرة. هذا الكلام غير صحيح، علميا الإنسان لديه القدرة على إزاحة أحداث معينة من الذاكرة الدائمة إلى القصيرة ثم إلى النسيان، وإصرار العقل على فعل ذلك يؤدي إلى نسيان ليس فقط الحدث لكن أيضا المرحلة التي حدث خلالها! وبالتالي أنت تتذكر خيالات من تلك الفترة لكن لن تكون ذكرى دقيقة. وإن أراد الإنسان استرجاع تلك الذكريات لن يكن بالأمر السهل، وستعود ناقصة وتحمل الكثير من الفراغات التي يمكن ملئها من شخص آخر مثلا يتذكر الحدث. وبالتالي تتكون لديك ذكرى جديدة تحمل بقايا ذكريات مشوهة مع ذكريات أحد آخر لتخترع ذاكرة جديدة.

الذاكرة كما نعلم هي القدرة على حفظ واسترجاع المعلومات والأحداث التي مرت علينا خلال فترة من الزمن. هناك أنواع للذاكرة، الذاكرة القصيرة والذاكرة العملية، والذاكرة الطويلة. وبالطبع الوظائف الأساسية للذاكرة هي الحفظ والتذكر واسترجاع المعلومات والنسيان!

وجود كلمة “النسيان” ضمن العمليات الأساسية للذاكرة يعطي إحساس بالتناقض، حتى بالمعنى، فالنسيان هو عكس التذكر. لكن، النسيان هو من الوظائف التي تقوم بها الذاكرة وهو قد يكون عفوي، حيث أن الذاكرة قد لا تحتفظ بمعلومات معينة لوقت طويل لمجرد أنها غير مهمة أو لا تعني الكثير لنا في أي حال كان. أو أن الذاكرة تقوم بنسيان هذه المعلومات أو الأحداث بحركة إرادية نتيجة قرار من الشخص الذي أراد أن ينسى أحداث ومعلومات معينة.

تحاول المجتمعات الحفاظ على تاريخها وتراثها من خلال تناقل الأحداث والحقائق وتدوينها. في بعض الأحيان، يتم إسقاط معلومة معينة، أو كتابة أحداث معينة بطريقة تخلو من المصداقية، وبالتالي يأتي الجيل الجديد ليجد نفسه أمام لوحة تحمل التدوين حسب ما كتبه المدونون، وما تناقله شهود العيان. قد يكون هذا الدمج لوحة جديدة تماما، تحمل بعضا من الحقيقة وبعض من الخيال. أو قد تكون لوحة مشوهة تماما بلا معنى!

الشيء الذي سيحمي أي ذكرى من الإندثار، هو إعادة تذكرها والتحدث عنها كثيرا، وبالتالي تناقلها عبر الأجيال. لهذا يعتمد تاريخ وثقافة المجتمعات على تناقله والتحدث به حتى لا يندثر أو يتحول إلى ثقافة جديدة- بمزج جديد جميل أو مشوّه!

اليوم تقوم الكثير من الشعوب بطمس حضارات وإدخال تعديلات عليها، لكن الأغلبية تعيد رسم التاريخ والتراث من خلال فعاليات ثقافية وفنية مختلفة حتى يبقى هذا الموروث الحضاري.

أنت رقم

“كل حركة تقوم بها على الإنترنت تساهم في خلق إعلام، ما تفعله على مواقع التواصل الإجتماعي محسوب، أنت رقم”

هذا ما قالته سالي في حديثها ضمن إحدى أحاديث تيد العالمية*، حيث قدمت للجميع بذرة للتغيير في العالم الإفتراضي “إن كنت من المعارضين لموضوع معين، لا تزور مواقع تنشر معلومات أو أخبار عنه!هكذا و ببساطة”.

نحن نعلم أنه في معظم مناطق العالم العربي،  صوت الفرد لا يقدم ولا يؤخر في أي قرار، إن كان بالغ الأهمية أو لم يكن مهم. نحن نشاهد ونسمع ونتابع ما يحصل من حولنا، ولأننا تعودنا على التعتيم وقمع الحريات، لم يعد لأصواتنا أهمية كبيرة وأصبحت مشاركاتنا للآراء هي مجرد أحاديث على القهوة! هذه قد تكون من الأسباب للطريقة التي نستخدم بها الإنترنت، ومواقع التواصل الإجتماعي الإفتراضية، لكن هنا أنت رقم!

في هذا العالم الإفتراضي، كل خطوة تقوم بها حتى لو كانت مجرد تصفح، هي ذات قيمة، هل تبتسم الآن لمعرفتك بوجود مكان يقيّم صوتك؟ جيد، إذًا مالذي تفعله بهذا الصوت؟

يعتمد الكثير من السياسيين والفنانين والكوميديين وغيرهم في أيامنا هذه على نسبة الإنتشار الواسعة في العالم…الإفتراضي! وما تقوم به يحدد مصير كل المحتوى الذي يتم تحميله يوميا على الإنترنت. فأنت مثلا قد تكون الشخص الذي أوصل خطاب الرئيس فلان إلى الرقم مليون في عدد المشاهدات، وبالتالي تصدّر قائمة الخطابات لهذا الشهر. وأنت أيضا قد تكون ضمن المليون شخص الذين ساهموا في نشر صور كيم كارداشيان العارية، علمًا بأنك قد تكون من معارضي ذاك السياسي، ومن غير المشجعين للإباحية، لكن أنت فعليًا قمت بزيادة نشرها!

نأتي للموضوع الأسخن، وأستطيع أن أسمع كل شخص يردد هذا الإسم الآن “داعش”. في البداية، لاحظ الجميع التقنية العالية والحرفية التي يمتلكها هؤلاء الأشخاص في تصوير وإخراج أفلامهم وصورهم، وتواجدهم الرهيب على جميع مواقع التواصل الإجتماعية، التي يتواجد بها كثافة سكانية إفتراضية! قامت هذه الجماعة بتجييش أفضل المستخدمين والمحللين للعالم الإفتراضي، اللذين وضعوا لهذه الجماعة خطة افتراضية محبكة. وأنت جزء من هذه الخطة، أنت رقم!

يعتمد هؤلاء الأشخاص بشكل كبير على كل شخص يتعامل مع الإنترنت – ومن لا يفعل في أيامنا هذه – وقد نجحت خطتهم الإلكترونية حيث ينتشر أي شيء يطلقونه بغضون ساعات بسرعة البرق بين الملايين. لماذا؟ لأنك تعمل معهم! ليس لأنك تشارك بما يتم نشره، كلا، بل لأنك تحرك سهم حاسوبك وتنقر على المحتوى وبهذا تقدم لذاك المحتوى صوت مجاني!

بإختصار، الخبر السار أنه، وأخيرا أصبح لصوتك أهمية. الخبر السيء، أنت غير مؤهل لإستخدام صوتك، وبالرغم من كل التنبيهات التي يطلقها الباحثون للحد من نشر المحتوى المسيء أو المحرض على العنف أو الهدم، لا نزال نتصرف باستراتيجية “حديث القهوة” المبني على الفضول ونقل الأخبار دون تفكير مسبق!

ما يمكنك فعله الآن هو أن تتصفح الإنترنت بوعي، وتعلّم من حولك كيف يتصفح بوعي. فإن كنت رقم، استخدم رقمك لنشر المعرفة ولنشر الأفضل، ولا تحوّل صوتك إلى سَوط.

*TED Talks: Sally Kohn: Dont like clickbait, Dont Click! المرجع

ثياب نظيفة

peace4syria

“هذه الثياب يجب أن تبقى نظيفة” هذه كانت آخر جملة لها قبل أن تفارق الحياة!

أكملوا الأولاد المشي، بعد أن حفروا حفرة بأيديهم وأنجزوا عملية الدفن كما اقترح الأخ الأكبر.

أمامهم مسافة ليصلوا إلى هناك، وكل شيء بدأ بعد أن أخذ تاجر الأرواح نقودهم وذَهَب والدتهم ورمى بهم هنا. هنا حيث لا شيء، تركهم أمام تحدٍ للإستمرار، وأن تحاول إسكات ثورات الجوع و تنسى مشاعر التعب كان بحد ذاته إنجاز.

عندما سأل الولد الأصغر عن سبب رميهم في العراء هكذا، لم تجد الأم كلمات لتجيب على تساؤل بسيط “تجار الأرواح يا ماما لا يعرفون الله، هم ليسوا بشر!” وهكذا أصبح إسم ذلك الرجل “تاجر الأرواح”.

مشى الصبيين تتوسطهما الأخت الوسطى، لم تكن تبكي ولا تتذمر، كانت تسجل كل حادثة يمروا بها، كانت متيقظة بالرغم من الشحوب الذي وصل حتى إلى لثة فمها!

تاجر الأرواح أخبرهم بأنه في نهاية هذا الطريق يوجد الفرج،” ليته قال الطعام أو السرير” فكر الأخ الأصغر وقد أبطئ المسير، بدى أمامه ضوء ساطع من بعيد، “هل هذا نور الشمس، أم أنه الباب للفرج الذي نبحث عنه؟ سأسرع أكثر قد أصل أسرع، لِمَ لا يستعجل أخوتي! يا سلام ما أجمل هذا المنظر، هذه أمي سأركض نحوها!”

إنتهى الصبي وأخته من الحفر، أخذوا الثياب النظيفة وألبسوها لأخيهم قبل أن يودعوه. الأخت  لازالت تسجل كل شيء وتحفظه في عقلها.

تلوح أمامهم بيوت مبعثرة، قد لا تكون بيوت، لكنها محاطة بأشخاص يلبسون زي موحد. أمسكت الفتاة بيد أخيها بقوة ونظرت نحوه لتسأله إن كان يرى ما تراه، أرادت أن تتأكد أنهما لا يزالا معًا في نفس المكان!

بدأ الإثنان يركضان، لكن الأخ الأكبر توقف فجأة وتذكر وصية والدته. بدأ بتغيير ثيابه الرثة المتسخة، وطلب من أخته أن تفعل الشيء ذاته. الآن يبدوان بمظهر جيد من الخارج، لن يرمي بهم أحد بسبب قذارة مظهرهم،  لن يعلم أحد بحقيقتهم. عاودا الركض نحو الرجال اللذين يلبسون زي موحد، بدأ الأخ الأكبر يصرخ للمساعدة، أما الفتاة لم تصرخ، فقط راقبت أخيها وحفظت كل شيء بقلبها.

توقف الجميع أمام مشهد مرعب، أطفال بثياب نظيفة ووجوه متشققة وأيدي مثل الصخر. اقترب رجل بابتسامة جميلة، لم يروا أحد يبتسم منذ مدة طويلة! حاول تهدئة الأخ الذي توقف عن الركض لكنه لم يتوقف عن الصراخ بنوبة هستيرية طالبا النجدة! اقتربت الفتاة وغمرت أخيها وهي تنظر نحو عينيه متوسلة منه أن يبقى متماسكا، سقط الولد أرضا في حالة إغماء من الإجهاد.

جاء المترجم، وتحدثت الفتاة أخيرا “أمي قالت نحن لاجئون ….هي ليست هنا، ذهبت لتخبر الله عن ما فعله بنا تجار الأرواح وتجار الأوطان!”

*الصورة مأخوذة من الإنترنت، والقصة حقيقية بتصرف”

حداد الكساسبة

IMG_9570

أصبحنا يوميا نسمع بقذارة الأعمال التي يقوم بها أتباع داعش، ويبدوا أننا بدأنا نتعود على البشاعة في تلك الأخبار. منذ أسبوع عادت قصة الطيار الأردني معاذ الكساسبة تطفو على السطح في محاولة كاذبة لتبادل أسرى وبالأخص مع الإرهابية ساجدة الريشاوي.

اليوم، شاهدنا أبشع أعمال داعش، أفظع ما يمكن أن يتحمله العقل الإنساني. لن أذكر تفاصيل الإعدام الشنيعة، لكن العمل الذي لاقى ضجة كبيرة هو ردة فعل المتابعين في مواقع التواصل الإلكترونية. قام المعظم بنشر صور الطيار الشهيد وهو يواجه الموت بطريقة قبيحة، وانتشرت تلك الصور أسرع من النار التي واجهها معاذ!

أصبحنا نرى طرق متطورة جدا بأخذ الصور والفيديو من قبل أتباع داعش، وقد وصلوا إلى مستويات متطورة من التصوير والإخراج لأعمالهم الشنيعة.

التساؤل الذي طرحه أغلب الذين لم يشاركوا بجريمة نشر الصور البشعة هو، هل أصبحنا بغبائنا وساذجيتنا أدواة لنشر الإرهاب أيضا؟ هل أصبحت مصداقية وإنسانية الإعلام على المحك، أم أن سرعة نقل الخبر، ومن ينشره أولا هي أهم بكثير من الإنسانية!

اليوم هو يوم حداد للكساسبة، واليوم يرفع الكثير راية “كلنا معاذ” و “كلنا من الكساسبة”. اليوم يقف أهل معاذ بقلب محطم، ورأس مرفوع ليأخذوا واجب العزاء بإبنهم. لكن، اليومأيضا نسدل ستارًا جديدًا على الإنسانية، فقد تحولت هذه الأرض إلى مقبرة لأرواحنا، ونحن سنشارك بنشر تلك الصورة القبيحة أيضًا.

بين فرنسا ونيجيريا

بينما يجتمع رؤساء من العالم لمسيرة سلام في فرنسا، ليعلنوا رفضهم للعنف والإرهاب، بعد حادثة مجلة “شارلي ايبدو” مع بداية هذا العام، اجتمعت جماعة “بوكو حرام” في نيجيريا وقامت بقتل ألفي شخص. طبعًا تم التعامل مع هذا الخبر وكأنه لم يحدث أبدًا، وتابع العالم مسيرة السلام!

تم توزيع جوائز “الغولدن غلوب” للأفلام السينمائية والتلفزيونية الأمريكية، وهو حدث عالمي يتابعه الأغلبية، وقام بعض الرابحين بالتنديد بما حصل في باريس وشجع على الوقوف يدًا واحدة ضد الإرهاب، وصفق الجميع.

لم أتابع المسيرة الحاشدة، والتي ليس عندي أيُّ رأيٍ تجاهها، لكنني  تابعت خبرًا صغيرًا بسيط عن تلك المجزرة في نيجيريا. قامت هذه الجماعة المتشددة التي لا تنتمي للإنسانية، قامت بقتل ألفي شخص وتشريد ثلاثين في هجوم على شمالي شرق نيجيريا. وبالطبع لأن الموضوع لم يهز الرأي العام، ولأنه تزامن مع حادثة أهم سياسيًا، فلن يجتمع الرؤساء والسياسيين، ولن يتركوا أعمالهم المهمة جدًا، ولن يقفوا في يوم واحد ويمشوا في مسيرة واحدة للتنديد بالإجرام من أجل ألفي نيجيري!

بعد هذه الحادثة المهمّشة، قامت تلك الجماعة بقتل امرأة وهي تلد. لا يمكنني حتى أن أفكر بكمية الوحشية التي وصل إليها هذا الجنس الشيطاني، لكنه خبر يمضي كباقي الأحداث التي لن تخرج مسيرات  لأجلها وستبقى عابرة.

يبقى السؤال الذي يحيّر البعض منّا، والذين أصواتهم ليست مهمة تمامًا كالألفي قتيل في يوم واحد، يبقى السؤال: ماهو الخبر الذي يهمّ الصحافة والإعلام؟ هل تبقى المصداقية فوق كل إعتبار؟ ماهي الأخبار التي تنتشر بسرعة البرق، والتي يتدافع الصحفيون لنقلها؟

لن يذكر التاريخ من لا يتم تدوين قصصهم، لكن لن يتوقف الإرهاب لطالما هناك ما نقول عنه في العامية “خيار وفقوس”!

فوضى منظّمة


المشهد الحالي…

في ملعب كرة القدم ويبدو أنها مباراة مهمة جدًا بين فريقين مشهورين. تمتلئ المدرجات بالجماهير المشجعة، وبالطبع يجلس كل مشجع في القسم الخاص بالفريق الذي جاء من أجله. تعلوا الأصوات والأغاني، يستعمل البعض الزمار لخلق ضجة بنغمة مميزة، والبعض الآخر يستخدم مكبرات الصوت ليقود مجموعة من المشجعين لترديد أغانٍ تراثية أو حماسية وهكذا.

لكن هناك شيء يقوم به جمهور المشجعين الغفير، دون اتفاق مسبق ودون تنظيم أوتدريب، وهو حركة الموجة.

هناك دائمًا مجموعة تبدأ بهذه الموجة البشرية، تقف المجموعة الأولى بينما تعلوا أصواتهم مع علوِّ أياديهم. وبينما هم في خضم هذه الحركة التي تقلب كيان المدرج في منطقتهم، يراقب الأشخاص الذين يجلسون بجانب مربعهم تلك الموجة البشرية. تدق قلوبهم بحماس، فهم لا يعلمون ما هو الشعور بأن تكون جزءً من الموجة، أو كم ستبقى أو كيف ستبدأ. لكنهم يراقبون ويتعلمون من ما يشاهدون ويسمعون.

وبينما تنخفض أيادي المشجعين المشتركين في الموجة الأولى، تنخفض معها أصواتهم، وحماسهم وتبدأ الأمور بالعودة إلى مجراها.

تنتقل الموجة إلى المربع التالي، ويراقبون بدورهم المشهد. بدأت الموجة البشرية تتشكل عند المجموعة الجديدة، هم يعلمون جيدًا مالذي يحصل مع تلك المجموعة، ومالذي يمر به المشاركون بتلك الموجة، وكم ستستغرق من الوقت. هم ببساطة عاشوا تلك التجربة!

تمر الموجة بسلاسة محبوكة دون تفكير، لذا فهي تعبر بأسرع وقت ممكن. لا تلبث أن تبدأ وتعلو، حتى تنخفض من جديد. تنطلق كالعدوى لكنها عدوى جميلة، يشترك بها الجميع.

يا ترى، لو كانت تلك الموجة متفق عليها مسبقًا، هل كان المشجعون سيبقونها وقتًا أطول، أم أن جمالها هو بعفويتها وسرعة وصولها للجميع!؟

تلك القشعريرة اللذيذة المرتبطة بوجودك ضمن مجموعة لا يجمعك بهم غير حماسك وعشقك لشيء يجمعكم في ذلك الوقت، وذلك المكان. موجة تغير كيان المدرج ولو لوقت قصير، لكنها تُسجَّلُ في أحداث ذلك اليوم، وأنت جزء منها.

إرادة

قصة من التراث السوري….

يحكى أنه كان هناك رجلًا  يلبس عباءة، وكان يمشي في الطريق متجهًا نحو الحقل.

قالت الريح للشمس: أتحداكِ بأنني سأجعله ينزع عباءته بحركة مني.

ردت الشمس: أتحداكِ بأنني سأربح الرهان.

وبما أنها كانت مبادرة الريح، فقد بدأت بالهبوب على الرجل. وكلما زادت من قوتها، كلما زاد تمسّكه بعباءته ومقاومته للريح. وهبت أقوى وأقوى، وزاد عناده وتصميمه وضمَّ العباءة أكثر إلى جسده محاولًا أن يتابع سيره. وبعد مرور وقت، استسلمت الريح!

جاء وقت الشمس التي أشرقت بإبتسامة، وعندها شعر الرجل بالدفئ، وخلع عباءته ووضعها على ذراعه وهو يكمل طريقه مبتسمًا.

قالت الشمس للريح: هل رأيتِ، لا يمكن تحقيق شيء بالعنف والتهديد. أعطِ للحياة الإرادة الكاملة في الإختيارات وستستمر بانسجام تام.

الإختيار يعود لك!

كل شيء ممكن أن يتغير بكبسة زر!! هل فكرت بما يمكن فعله بكبسة زر!!

بكبسة زر تستطيع إدخال النور إالى غرفة مظلمة .. وأيضا الظلام! يمكنك أن تتصل بشخص عزيز وتضيف إلى يومه الكثير من الفرح، وأيضا يمكنك أن تجعل حياة أحدهم جحيم بكبسة زر!

قد تبعث ببريد إلكتروني أو قد تمحي كل الرسائل القديمة بكبسة زر!

قد تقتل المئات والآلاف بكبسة زر… لكنك لن تستطيع إعادتهم بكبسة زر!!

الموضوع سهل كما ترى، كلها كبسة زر، لكن… في أي إتجاه ستكبسه؟؟

زيت وزعتر

بدأ الجميع يعترض وتتعالى الأصوات، هذه مؤامرة!

يجمع الأبناء أحذية قديمة وصناديق وأوراق مرمية هنا وهناك، يضعوها بجانب بعضها ليصنعوا منها مدفئة، ويحرقوها لتبقيهم بعيدًا عن التجمد.

تجمع غلّة الشهر وتذهب إلى السوق، ستشتري بنطال للشتاء، البنطال أصبح ب ٦٠٠٠ ليرة سورية. تجوب الأسواق آملة بأن تجد سعرًا أفضل، لكن، وكما قال البائع، هذا هو سعر السوق. هل تشتري؟ هل سيكتفون بالزيت والزعتر لتوفر ثمن البنطال؟ الشتاء يأكل أجسادهم، عليها أن تشتري شيئًا دافئًا.

لا يزال النقاش الحامي الوطيس يدور حول أسباب هذه المؤامرة، هذا النقاش مهم جدًا ولن يرتاح المهاجرون حتى يفضحوا الأسباب!

يجمع أهل المخيم المسامير ليثبتوا خيمهم جيدًا، وصلت أصداء العاصفة التي ستضرب الحدود، يُقال بأنها ستجمد كل شيء ولا أحد يعلم إن كانت المعونات ستصل، أم أنهم سيتجمدون من البرد! الأمم المتحدة أعلنت عن عجزها عن دعم اللاجئين السوريين في المخيمات، مالحل؟

“الخيار الأفضل هو أن لا نصنع حلويات العيد، الأسعار تحرقنا، وبالنهاية سنحتفل وحدنا، من ستأتيه الشجاعة على التجول والزيارة في مثل هذه الظروف؟ هل تعلم، لدي الحل… نصنع كعكة عيد واحدة ونضعها عند الشجرة وننام بجانبها، ثم نوزعها على الأطفال.” هكذا فكرت وهي تحضّر للعيد.

أصبح عدد الشباب الذين قضوا في الحرب كبير، لم نعد نرى إلا اللون الأسود في وجوه المارة. هنا تكثر الأرامل والصبايا والأطفال الذين يحاولون تذكر لعبة الغميضة. هنا لاشيء يحدث!

الأكيد أن لجنة التحكيم والعاملين على البرنامج، والممولين والمشاهدين، والسماء والأرض، اتفقوا أن لا يرفع هذا الفائز العلم. هذه مؤامرة، وعلينا أن نجد لها حل فوري، وفتوة تليق بها، وتصريح أمني وإجتماعي وسياسي! كيف يفرح الناس ويهللوا سوريا… سوريا…. سوريا… ولم يُرفع علم! كيف يفرح هذا الفائز الذي مثّل وطنه بأجمل صورة!

هذه هي قضية الموسم الآن بعد أن حللنا جميع قضايانا، وأعدنا بناء السارية التي سيُرفع عليها العلم. لكن يبقى السؤال: هل يبقى أحد ليرفع العلم!؟

حدث في عام

image

وفي عام 1979م، حدثت الثورة الإسلامية الإيرانية، ومن خلالها تمّ الانقلاب على حكم الشاه، وفرض أحكام الشريعة الإسلامية كما أرادتها الثورة. جميعنا يعلم الانفتاح الاجتماعي الذي كانت تعيشه إيران في تلك الفترة، حتى أنك تعتقد وكأنك في إحدى الدول الأوروبية. لفتت نظري قصةُ سيدة كانت في طريقها إلى العمل بعد أن حدثت الثورة، وفوجئت برجل يلبس الجلابية القصيرة، وعلى وجهه ملامح الغضب والتعصب، ويحمل بيده عصاة طويلة. بدأ هذا الرجل بالركض باتجاه المرأة وضربها وهو يأمرها بالعودة إلى المنزل والتستر! لم تكن تلبس ثيابًا فاضحة، لكنه أراد منها العودة ولبس العباءة السوداء وتغطية رأسها!

بالنسبة للشعب الذي لم يواجه في حياته تطرفا دينيا، كان من الصعب التأقلم مع هذا التغيير المفاجئ، والذي حصل بين يوم وليلة تحت غطاء الثورة الهوجاء. بدأت تلك الثورة قمعها أولًا ضد النساء، وأتخيّل أن جميع أولئك النساء العاملات قبعن في منازلهن في ذلك اليوم يتأملن الواقع الجديد، وكيف سيتغير كل شيء في يوم واحد إلى المجهول! أفكرُ أنهن جميعًا قد جلسن كلٍّ في منزلها ويفكرن، هل هذا كابوس؟!

تم اعتقال العديد من النساء اللواتي رفضن الخضوع والخنوع في بادئ الأمر، وتحديدًا في ذلك اليوم، تمّ زجّ الكثير من المثقفين رجالاً ونساءً في السجن وتعذيبهم.

في عام 1979م، دخلت أفغانستان في حربٍ أهلية مريرة، وخلال قراءتي وبحثي، اكتشفت معلومات لم أكن أعلمها عن أفغانستان. فقد كانت من الدول المنفتحة المثقفة المتعلمة، والتي تحتضن الفن والتاريخ! بدأت سيطرة الفصائل المتطرفة عليها بحجة تحرير البلاد من الاحتلال السوفيتي، وقد حدث ذلك فعلاً، لكن الانقلاب العسكري الداخلي الذي حدث، مهّد لظهور المتشددين. رأيتُ صورةً لسيداتٍ أفغانيات في الفترة ما قبل الحرب، وكنَّ يلبسنَ ثيابًا عصرية، ويظهرن بهيئة المثقفات بحملهن الكتب وهن في بهو الجامعة وسط نقاش مع مجموعة من الشباب. ثم انتقلتُ بالسنين إلى اليوم الذي فرض به ”طالبان“ على النساء البقاء بالمنزل، وعدم التبرج، وعدم القراءة، وعدم الخروج دون غطاءٍ أزرقٍ سميك يغطيهن من رأسهن حتى أخمص أقدامهن، مع فتحة صغيرة للتنفس والرؤية! ولا أنسى اليوم الذي جرَّ به ”طالبان“ سيدةً اتهموها بالسفور إلى ملعب كالدابة، وتم إطلاق الرصاص عليها وعلى مرأى من الجميع.

أيضًا في فترة استلام المتشددين للحكم وبدء فترة الخراب، تم اعتقال العديد من المثقفين النساء والرجال وإعدامهم.

بعد عام 1979م، بدأت حركة الانغلاق في مصر، وكلّنا نعلم تاريخ مصر الفني والثقافي والاجتماعي، والدور الذي لعبته نساء مصر على مرّ التاريخ. لم يحدث التغيير بشكل مفاجئ في مصر كما حدث في إيران، ولا بالبشاعة التي حدث فيها في أفغانستان، لكنه حدث ببطئ وخبث، لدرجة أنه انتشر في المجتمع بطريقة انتشار المرض العضال.

بالطبع يمكنكم أن تلاحظوا التغيير الذي حدث للمرأة في مصر.. طريقة لبسها وانخراطها في المجال الثقافي والسياسي، وحريتها في التعبير! بدأ النقاب ينتشر بشكل واضح بين النساء، وازدادت حالات التكفير والتهجم على كل من لا تتبع طريقة المتشددين في اللباس.

في نفس الفترة تقريبًا، بدأ التحرك المتشدد يظهر ﻓﻲ كل من سوريا والعراق. في سوريا لم يكتب لهم النصر، بسبب ما قام به النظام السوري في تلك الفترة بما يُعرف بأحداث حماة. لكن من خلال البحث، وجدت أنه من تلك الفترة وبعد، ازدادت عدد المدارس والجمعيات المتشددة في سوريا وانتشر الفكر السلفي بين الأفراد. بدأنا نرى تغييرًا سلبيًا واضحًا في الحركة الثقافية والفنية، وتزامنت مع إقفال الدولة للكثير من دور السينما والجمعيات الثقافية. بدأت الجماعات المتزمتة بالتوسع والتغلل بصمتٍ بين أفراد المجتمع، وقد تم اختيار أسلوب السيطرة على حرية المرأة وانفتاحها أولًا، ثم الانتشار لباقي أعضاء المجتمع.

وجدتُ أن الدول التي ذكرتها تعاني حاليًا من دمار وانحدار ثقافي وفكري واجتماعي، بأشكال مختلفة وبنسب متفاوتة! لم يعد هناك استقرار فيها، وقد سيطرت الجماعات المتشددة الإسلامية عليها بطريقة أو بأخرى. واللافت للنظر، استهداف جميع هذه الحركات والأحزاب للمرأة أولاً! بدايةً عن طريق العنف والقوة لكسرِ عزّتها وكرامتها، حيث يعلم هؤلاء أنهم سيخسرون في النقاش العقلي والمنطقي! وبدأت هذه الحركات بتحجيم المرأة، أولاً بكسرها والتحكم بمظهرها، وحركتها وعلمها وثقافتها. وبعد الوصول إلى هدفهم بجعل المرأة تؤمن بضعفها وبأنها ”ضلع قاصر“، بدأوا بالعمل على تجنيدها ضد النساء الأخريات! وبهذا نلاحظ أن معظم الدعاة المتشددين والسلفيين ضد حرية المرأة هم من النساء!

إذًا، هذا ما يتم ضمن عملية ”تجنيد التخلف“! تبدأ أولًا بكسر كرامة المرأة، وجعلها تشعر بالضعف والذل، وزرع الأفكار البالية في عقلها، وتحويلها إلى سلعة للمتعة الجنسية ورميها في عوز متقع.

ثمّ ينتقلون إلى المرحلة الثانية، وتبدأ بملئ رأسها بالأفكار التكفيرية والمتشدّدة، وبهذا أقصد تكفير الآخر الذي ينتمي إلى نفس الدين والطائفة. ثم تنطلق المرحلة الأخيرة، وهي شحذهن وإفلاتهن على المثقفات والمتحررات.

رأيتُ يومًا على موقع، امرأتين متشددتين -عرفتُ هذا من لبسهن- يصرخان بصوت عالٍ، وينهالان بالضرب على امرأةٍ لم تبدُ لي سافرة، أو متعريةً أو كافرة كما كانتا ينعتانها! لقد كان الضربُ مبرحًا، ولم يتدخل أحد من المجتمع لإيقافهن. انتهى الأمر بالسيدة في المستشفى، ثم توفّت بسبب نزيف في الدماغ على إثر ضربات مبرحة باستخدام الكعب العالي لأحذية نسائية!

الحركات والتنظيمات والثورات المتشدّدة لا تستنزف البلاد في حروب مدمّرة فقط، بل أيضًا توقعها في جهلٍ مظلم من خلال السيطرة على المرأة، وتحويلها إلى عضو جاهلٍ غير فعّال. وهي نفسها المرأة التي ستنجب وتربي أبناء المستقبل، الذي سيبقى مظلمًا، لطالما أحد أهم أعمدته يعاني من التعفن الفكري والنفسي والثقافي.

حدث…. ولا يزال يحدث.

الصورة في أفغانستان عام 1950*image copyright from the web